ماذا تفعل قطر في ليبيا وشمال أفريقيا؟
هل قامت قطر في الفترة الأخيرة بترسيخ وجود «الدواعش» و«الإسلامويين» في ليبيا؟ وإن كانت قد فعلت فهل هدفها ليبيا فقط، أما أنها تريد أن تصبح ليبيا بالنسبة لها «كعب أخيل»، الذي يمكنها من نشر إرهابها في شمال القارة الأفريقية من جهة وجنوبها من جهة ثانية؟ مؤكد أن في الأمر سر معلن وليس خفياً، سيما وأن عشرات الآلاف من «الدواعش» الذين كانوا يقاتلوا في سوريا والعراق لم يتبخروا فجأة ويختفوا من على الخريطة دفعة واحدة، وسيما أن ما تم تصفيته منهم لا يتجاوز بضع مئات ليس أكثر، فأين ذهب الباقون؟
هنا يمكن القطع بأنهم لم يذهبوا إلى إيران أو تركيا، وإنما كانت طهران وأنقرة المهرب والمفر إلى دولة أخرى، وعبر إمكانيات مالية توفرها دولة ثالثة. لم يغب المشهد عن أعين أجهزة الاستخبارات حول العالم، والتي رصدت دعماً لوجستياً ومالياً واضحاً وفاضحاً من قطر، بهدف نقل «الدواعش» إلى شمال أفريقيا، وليس أفضل من ليبيا موقعاً وموضعاً، سيما وأن هناك رجلهم القديم «بلحاج» الذي يدير إحدى الدويلات القائمة اليوم على الأراضي الليبية والمدعوم مالياً ولوجستياً من قطر، وهو مالك الأسطول البحري والجوي الرابط بين ليبيا وبين مطارات وموانئ تركيا.
في هذا السياق تستخدم العناصر المتطرفة عددا من الخطوات للتوجه إلى معسكرات الإرهاب في ليبيا وذلك عبر هويات مزيفة يتم استخراجها داخل تركيا للوصول عبر الجو إلى مطارات الغرب الليبي، وذلك بدعم وتنسيق قطري تركي، سعياً لدفع الدولة الدولة الليبية نحو الفوضى الأمنية والمؤسساتية لتنفيذ أجندات ومصالح قطرية.
لم تكن الرؤية المتقدمة حديثاً نظرياً أو مجرد تنظيرات فكرية بشأن «داعش» وقطر، بل حقائق على الأرض أكدها المتحدث العسكري باسم الجيش الليبي العميد أحمد المسماري، الذي أتهم النظام القطري بنقل مسلحين من تنظيم «داعش» الإرهابي موجودين في سوريا إلى ليبيا، ومؤكداً أن الدوحة مستمرة في تمويل المجموعات الإرهابية في ليبيا. تعرف قطر تمام المعرفة أن ليبيا هي مفتاح مؤكد لقلب قارة أفريقيا، وإذا كان الكل يعلم تمام العلم أن قطر ليست إلا مخلب قط لقوى كبرى لا تغيب عن الأعين، هي التي تعد المحرك الحقيقي، والفاعل الرئيسي وراء ما نراه من تصرفاتها، فإن أفريقيا والتي هي ساحة وملعب للكثير من الأقطاب الدولية، تكون مرشحة بدورها لأن تؤدي فيها قطر أدواراً مرسومة بعناية، يستخدم فيها الإرهاب كأداة من أدوات النزاع والتصارع، بالضبط كما كانت الخريطة مرسومة لتصعيد «الدواعش» إلى شمال شرق آسيا، حيث روسيا والصين بنوع خاص.
عودة إلى ليبيا، حيث الدور القطري الأكثر خطورة، والذي يريد الامتداد والتوغل في أفريقيا لحساب صانع المؤامرات الأكبر، وماذا تفعل قطر هناك. ففي أواخر أبريل الماضي كانت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية تنشر تقريراً عن سنوات الحرب على الإرهاب في جمهورية مالي، والدور المشبوه للدوحة في تغذية الجماعات الإرهابية هناك، وهو ما كشفته وثائقر «ويكليكس» نقلاً عن دبلوماسيين أميركيين، عطفاً على تقارير استخبارية أخرى تشير إلى تمويل قطر للجماعات الإرهابية في مالي، وأبرز تلك الجماعات «حركة الطوارق» الإرهابية، واتباعها المسيطرون على شمال مالي.
بدءاً من العام 2012 لم تكن أعين المخابرات الفرنسية غافلة عن الدور القطري في مالي، وعلاقة الدوحة بالمنظمات الإرهابية المسيطرة هناك، وقد خلصت أجهزة فرنسا الأمنية إلى أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة قد قدم دعماً مالياً وعسكرياً لتنظيمات إرهابية في مالي.
لم تتوقف وسائل الإعلام الفرنسية عن فضح علاقات قطر بالإرهاب في مالي، ففي تقرير منسوب لمصادر استخباراتية فرنسية أيضاً نشرته صحيفة «لوكانارد أونشيني» نقرأ عن الدوحة التي قدمت دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً كبيراً لجماعات إرهابية متطرفة في شمال مالي، بهدف زعزعة استقرار دول أفريقية عدة تتعارض مصالحها مع الدوحة.
وتحت عنوان «صديقتنا قطر تدعم الإرهابيين في مالي»، أشارت الصحيفة إلى أنه وفي بداية عام 2012 وجه جهاز المخابرات الفرنسية إنذارات عدة لقصر الأليزية، تحذر وتنذر من أدوار مشبوهة تجريها قطر، برعاية أميرها حمد بن خليفة، وأن الدوحة تقدم سخاء لا مثيل له، ليس فقط كدعم مالي وعسكري في صورة أسلحة لإرهابيين في كل من تونس ومصر وليبيا، ولكن أيضاً امتد هذا السخاء لجماعات إرهابية متطرفة في مالي».
الدور القطري المهلك والإرهابي في أفريقيا رصدته كذلك أجهزة المخابرات السويسرية، التي حذرت بدورها من ارتداء قطر ثوب الحملان، عبر تقديم مساعدات مالية سخية في ظاهره تبدو إنسانية، وفي باطنها إرهابية... هل من مثال على ما نقول به؟
عبر موقع «ميكانوبوليس» السويسري نرصد معلومات دقيقة عن أفراد مقربين من نظام دولة مالي السابق، اعترفوا بالقيام بمهام سرية بالتنسيق بين الرئيس المالي السابق «آمادو توماني توريه»، وبعض قيادات «القاعدة» في المنطقة، تتعلق هذه المهام برسائل ومفاوضات حول رهائن كانوا مختطفين من قبل القاعدة بالتنسيق مع دول مثل قطر. ويبقى السؤال المؤجلة الإجابة عنه: ما هي مصالح قطر في أفريقيا؟ وهل هي تدعم الإرهاب من باب الشر المجاني أم أن هناك مصلحة بعينها خافية عن الكثيرين؟
*كاتب مصري